عند قطع القدم الرابعة تفقد الضفادع حاسة السمع بهذا الاستنتاج العظيم اختتم صديقنا بحثه العلمي، معلناً عن اكتشافه الفذ الذي أنهكه العمل عليه لعدة شهور.
يحكى أن عالماً كان يجري أبحاثاً علمية على الضفادع، وفي محاولة لاكتشاف مدى ترابط الجهاز العصبي . بدأ بإحضار ضفدع على طاولة التشريح وبجواره كراسة المشاهدات لتسجيل الاستنتاجات. بدأ زميلنا بالصراخ على الضفدع لحثها على القفز؛ فقفزت ليس لأنها تفهم العربية، بل من خوفها من مصدر الصوت. فسجل الدكتور الهمام: أنه في حالة توجيه الضفدعة بالقفز تستطيع القفز بسهولة.
ثم قطع القدم الأولى وكرر صراخه لها بالقفز ؛ فقفزت بصعوبة نوعاً ما، فسجل في كراسته أنه بعد قطع القدم الأولى تقفز الضفادع بصعوبة نوعاً ما. ثم قطع القدم الثانية، فقفزت الضفدعة بصعوبة أكثر وهكذا حتى انتهى به الأمر إلى قطع كل أطرافها. وفي محاولة بائسة منه لاستنتاج ما الذي حل بالضفدعة التي لا تستجيب إلى تعليماته بالقفز، تفتق ذهنه عن استنتاج رهيب مفاده: أن الضفادع تفقد حاسة السمع عند قطع أطرافها الأربعة.
هذه الطرفة الجميلة، وبالرغم من كونها خيالية ولم تحدث قط، إلا أن من ورائها مغزى عميق جداً. فقد وقع صديقنا الدكتور في مغالطة استنتاجية كبيرة تسمى مغالطة ” السببية الخاطئة” هذه المغالطة تحدث عندما يفترض الشخص أن حدثاً ما هو سبب لحدث آخر فقط لأنه تزامن معه أو سبقه، بدون دليل كافٍ يثبت العلاقة السببية بينهما. وهذا ما حدث عندما افترض الدكتور أن عدم قفز الضفدعة بعد قطع أرجلها مرتبط بفقدان حاسة السمع.
في مقالنا التالي سنعرض أهم المغالطات و التحيزات قد تواجه محلل البيانات وكيفية التغلب عليها لضمان دقة النتائج ونزاهتها.
أمثلة على مغالطات تحليل البيانات:
السببية الخاطئة
(False Cause)
الوصف: عندما يُفترض أن أحد الأحداث يتسبب في حدث آخر لمجرد وجود علاقة بينهما في البيانات.
مثال ذلك : إذا وجدت أن مبيعات الآيس كريم ترتفع في الأيام الحارة، ثم تستنتج أن تناول الآيس كريم هو ما يسبب ارتفاع درجة الحرارة. في الواقع، ارتفاع درجة الحرارة هو ما يؤدي إلى زيادة مبيعات الآيس كريم.
كيف يؤثر على التحليل: مغالطة السببية الخاطئة تربط بين متغيرين بشكل غير صحيح، مما يؤدي إلى استنتاجات غير دقيقة ومضللة في التحليل.
كيفية التغلب عليها: استخدم أساليب إحصائية مثل التجارب العشوائية المضبوطة لتحديد العلاقة السببية بدلاً من الاعتماد على الارتباطات البسيطة فقط.
التحيز في الاختيار
(Selection Bias)
الوصف: عندما يتم تحليل البيانات من عينة غير ممثلة للمجموعة الكلية، مما يؤدي إلى استنتاجات غير دقيقة.
مثال ذلك: إذا قمت بإجراء استبيان حول رضا العملاء ولكنك وزعته فقط على العملاء الذين قاموا بشراء المنتج في آخر شهر، فقد تحصل على نتائج غير دقيقة لأنك لم تشمل جميع العملاء.
كيف يؤثر على التحليل: عندما تكون العينة غير ممثلة بشكل كافٍ، يمكن أن تكون النتائج المنبثقة عنها غير دقيقة وغير قابلة للتعميم.
كيفية التغلب عليها: تأكد من أن العينة ممثلة بشكل صحيح باستخدام طرق اختيار عشوائية، واحرص على تحليل البيانات من عينات متنوعة وشاملة.
التحيز التأكيدي
(Confirmation Bias)
الوصف: عندما يتم الميل للبحث عن وتفسير البيانات بطريقة تؤكد الفرضيات والتوقعات المسبقة
مثال ذلك: أن شخصاً يعتقد أن القهوة تسبب الأرق. وعندما يبحث عن المعلومات ، يختار فقط الدراسات والمقالات التي تظهر أن شرب القهوة يؤدي إلى الأرق، ويتجاهل الدراسات التي تشير إلى أن تأثير القهوة على النوم يختلف من شخص لآخر أو التي تظهر أن تناول القهوة في وقت مبكر من اليوم قد لا يؤثر على النوم.
كيف يؤثر على التحليل: عندما يقع المحلل في هذا التحيز، يركز فقط على البيانات التي تدعم فرضيته الأولية ويتجاهل البيانات المتناقضة، مما يؤدي إلى نتائج مشوهة وغير دقيقة.
كيفية التغلب عليها: حاول أن تكون موضوعياً وتراجع الفرضيات البديلة. يجب تبني منهجية تحليل شاملة تشمل جميع جوانب المشكلة، وعدم الاكتفاء بالمعلومات التي تؤكد الافتراضات. كما ينبغي إشراك زملاء آخرين في مراجعة التحليل للحصول على رؤى إضافية.
التحيز في الإبلاغ
(Reporting Bias)
الوصف: عندما يتم الإبلاغ عن النتائج الإيجابية أو المهمة فقط وتجاهل النتائج السلبية أو غير المهمة.
مثال ذلك: تخيل أنك تقرأ مراجعات لمنتج جديد على الإنترنت. المراجعات المنشورة على الموقع هي بغالبها إيجابية، مع الكثير من التعليقات التي تمدح جودة المنتج وأداءه. ومع ذلك، لا تعرف أن الشركة التي تبيع المنتج تقوم بنشر المراجعات الإيجابية فقط وتختار عدم نشر المراجعات السلبية . في هذه الحالة، يحدث التحيز في الإبلاغ لأن الصورة التي تحصل عليها عن المنتج مشوهة وغير كاملة، حيث ترى فقط الجانب الإيجابي ولا تعرف عن التجارب السلبية التي قد تكون بنفس القدر من الأهمية لاتخاذ قرار شراء مستنير.
كيف يؤثر على التحليل: عندما يتم نشر نتائج معينة فقط، يمكن أن يؤدي ذلك إلى خلق انطباع مضلل حول فعالية التدخلات أو العلاقة بين المتغيرات.
كيفية التغلب عليها: احرص على الإبلاغ عن جميع النتائج، سواء كانت إيجابية أم سلبية، لضمان صورة كاملة ودقيقة للبيانات.
تحيز الذاكرة
(Recall Bias)
الوصف: يحدث عندما يكون الأفراد غير قادرين على تذكر المعلومات بدقة، مما يؤثر على جودة البيانات التي يتم جمعها..
مثال ذلك: تخيل أن هناك دراسة تبحث في تأثير التعرض للتلوث البيئي على تطور أمراض الجهاز التنفسي. حيث تعتمد الدراسة على مقابلات مع المرضى لتذكر مستويات تعرضهم للتلوث على مدى السنوات الماضية. فالأشخاص الذين تم تشخيصهم مؤخراً بأمراض الجهاز التنفسي قد يكونون أكثر ميلاً لتذكر تفاصيل تعرضهم للتلوث ويعطونها أهمية أكبر، في حين قد لا يتذكر الأشخاص الذين لم يتم تشخيصهم بأمراض مشابهة تلك التفاصيل بنفس الدقة.
كيف يؤثر على التحليل: عندما يعتمد التحليل على البيانات التي يجمعها الأفراد من ذاكرتهم، قد تكون المعلومات غير دقيقة أو غير مكتملة.
كيفية التغلب عليها: لتقليل تأثير تحيز الذاكرة، يُفضل استخدام بيانات موثقة ومباشرة بدلاً من الاعتماد على ذكريات المشاركين. يمكن أيضاً التحقق من البيانات من خلال مصادر متعددة وتكرار جمع البيانات لضمان دقتها.
المغالطة البيانية
(Graphical Misrepresentation)
الوصف: تقديم البيانات بطرق مضللة من خلال الرسوم البيانية، مما يؤدي إلى تفسير خاطئ للنتائج.
مثال ذلك : تخيل أن هناك شركة تريد أن تظهر أن أرباحها قد زادت بشكل كبير في التقرير السنوي، وتقوم هذه الشركة باستخدام رسمًا بيانيًا لعرض الأرباح الشهرية. وللتلاعب بالقارئ تقوم الشركة ببدء المحور الرأسي من قيمة قريبة جدًا من الأرباح الأدنى وليس من الصفر . مما يوحي بأن هناك زيادة كبيرة في الأرباح، في حين أن الفرق الحقيقي بين الشهور قد يكون ضئيلاً مما يعطي انطباعًا غير دقيق عن أداء الشركة ويضلل القارئ .
كيف يؤثر على التحليل: يجعل من الصعب فهم البيانات بشكل صحيح، وقد يقود إلى استنتاجات غير دقيقة.
كيفية التغلب عليها: استخدم الرسوم البيانية بشكل صحيح واتبع المعايير القياسية للعرض البياني. تحقق من أن الرسوم البيانية تعكس البيانات بدقة وتجنب التشويه أو التلاعب بالمحاور أو النسب.
لمزيد من التعمق في مغالطات تحليل البيانات إليك قائمة بأشهر المغالطات و التحيزات في
مجال تحليل البيانات يمكنك البحث عنها وفهمها بشكل اعمق :

أفضل الطرق والممارسات للتغلب على المغالطات:.
لتجنب الوقوع في هذه المغالطات والتحيزات، يجب اتباع أفضل الممارسات في تحليل البيانات:
· التدريب والتوعية: قم بتدريب نفسك على تحديد والتعامل مع هذه التحيزات والمغالطات. الفهم الجيد للمغالطات يساعد في تجنبها.
· المراجعة والتحقق: قم بإجراء مراجعات مستقلة وتحليلات مزدوجة لضمان دقة النتائج. هذه المراجعات تساهم في كشف الأخطاء وتحسين دقة التحليل.
· التوثيق الشامل: وثق كل خطوة في عملية التحليل بما في ذلك الافتراضات والطرق المستخدمة لضمان الشفافية وسهولة المراجعة. التوثيق الجيد يسهل عملية التعقب والتدقيق.
· استخدام أدوات التحليل المتقدمة: استخدم الأدوات والبرامج الإحصائية المتقدمة التي تساعد في الكشف عن المغالطات والتحيزات.
· التعاون والاستشارة: تعاون مع زملاء وخبراء مستقلين للحصول على آراء واستشارات إضافية. العمل الجماعي يسهم في تحقيق تحليل أكثر دقة وموضوعية.
· التنوع في الطرق والأساليب: استخدم طرق وأساليب متنوعة في تحليل البيانات لضمان شمولية ودقة النتائج. التنوع يساعد في كشف النقاط العمياء والمغالطات.
في الختام
إن تحيزات تحليل البيانات يمكن أن تكون عقبة كبيرة أمام الوصول إلى نتائج دقيقة وموثوقة. كما رأينا فيمكن للتفكير غير الدقيق والتفسيرات المتسرعة أن تقود إلى استنتاجات مضللة. ولذا فمن خلال التعرف على هذه التحيزات والعمل بجد لتجنبها يمكننا تحسين جودة تحليلاتنا وضمان أن تكون النتائج التي نستخلصها أكثر نزاهة وموضوعية.
وسوآءً كنت محلل بيانات مبتدئاً أو خبيراً، من المهم أن تتذكر أن كل خطوة في عملية التحليل تتطلب انتباهاً دقيقاً وتفكيراً نقدياً. استخدم الاستراتيجيات والأساليب المختلفة لتعزيز دقة وموثوقية تحليلاتك لتساهم في اتخاذ قرارات مستنيرة وفعالة.
إن فهم التحيزات والعمل على تجنبها ليس مجرد خيار، بل هو ضرورة لضمان نزاهة وصدق نتائجك. استمر في التعلم والتطور، وكن دائماً على استعداد لمراجعة وتقييم منهجياتك لضمان أنك على الطريق الصحيح نحو تحقيق تحليلات بيانية خالية من التحيزات، ……. وتذكر دائماً أنك مؤتمن على البيانات و نزاهتها
Add comment